حوار مع بوبكر مازوز: دور التربية والثقافة في محاربة سلوكيات العنف، عبد العزيز بوحسين

حوار مع بوبكر مازوز: دور التربية والثقافة في محاربة سلوكيات العنف

عبد العزيز بوحسين

في مقابلة تم إجراؤها بتاريخ 4 ماي 2019 مع بوبكر مازوز مؤسس جمعية الأحياء IDMAJ ورئيس المركب الثقافي سيدي مومن، يتحدث عن مختلف العوامل و الأسباب الضرورية التي دفعت لتأسيس هذه الجمعية و القيمة المضافة التي أتت بها لسيدي مومن ذلك الحي الذي عرف عقب فاجعة 16 ماي 2003، حيث سنحاول الوقوف على سؤال لماذا يتوجه شباب الحي و باقي الأحياء الشعبية، على العموم، نحو الجريمة و التطرف؟

Boubker Mazouz

س: كيف جاءت فكرة idmaj ؟

ج: كما هو معروف، سابقا لم يكن هناك مركز ثقافي  في الحي وحاليا، هذا المركز يعتبر الأول الذي أنشئ  لفائدة ساكنة سيدي مومن والتي يفوق عددها اليوم نصف المليون، والتي مع كامل الأسف لم يكن لها فضاء ثقافي قبل سنة 2006.

س: ما هي وضعية البنيات التحتية بسيدي مومن حاليا؟ وهل تلمس أي تغيير بالمقارنة مع الوضعية التي كانت فيها عند تأسيس المركب الثقافي؟

ج: منذ سنة تأسيس المركز سنة 2006 إلى حدود يومنا هذا هناك تغيير كبير، يمكن أن لا يكون غير واضحا لمن يزور سيدي مومن لأول مرة، حيث سيقول أن هذا الحي لا يختلف عن  باقي أحياء الدار البيضاء (بنمسيك ، سباتة، الهراويين..). ولكن على العكس فإن سيدي مومن عرف تغيير كبير وجذري على مستوى البنيات التحتية، حيث لم يكن يتوفر على مجموعة من المراكز والمدارس أو دور الشباب أو الأماكن المخصصة للرياضة والترفيه، أما اليوم عدد كبير من المدارس تمت إضافتها بالإضافة إلى البنايات. ومدن الصفيح التي  كانت منتشرة في كل مكان في هذه المنطقة اندثرت، فأحياء صفيحية كالمنزه، السكويلة، طومة..  كلها  أصبحت من الماضي واختفت. 

س: هل يمكن القول بأن خلفيات الأحداث الإرهابية ساهمت في لفت أنظار المجتمع تجاه سيدي مومن؟؟ 

ج: لن أقول العكس، فالسؤال الذي طرحته مضمونه هو هل يجب أن ننتظر حتى تحدث مثل هذه الآفات لكي نتحرك ونفكر أن نجد حلول؟ لن أقولها بهذه الطريقة ولكن أقول أن هذه الأحداث شكلت ناقوس خطر و كانت صدمة كبيرة بالنسبة لكل المغاربة ونحن نقول أن مثل هذه الأمور يجب أن لا تكون لدينا في بلادنا،  وأننا لا نعرف هذا التطرف والإرهاب.

س: هل لأن المغرب في وقت ما اعتبر استثناء؟ 

ج: استثناء ولكن الإرهاب لا يعرف أي استثناء، ليس له لا دين ولا ملة، ولا لون ولا عقيدة لأن التطرف يعتبر عمل إجرامي غير مقبول، إذن بطبيعة الحال فأحداث 2003 أثرت، وأصبح المسؤولون والساكنة والمجتمع المدني يفكر في حجم الخصاص بالمنطقة وكون أن هناك فراغ قاتل يجعل  الناس تتجه نحو العنف والتطرف. 

س: هل كانت لكم أي أنشطة مع المتورطين والسجناء في القضايا المرتبطة بالتطرف؟ 

ج: قمنا ببرنامج يسمى Q-violence الذي هو علاج للعنف وهذا العلاج تشرف عليه منظمة أمريكية بشيكاغو، مع العلم بأن شيكاغو المدينة الأولى بالولايات المتحدة الأمريكية التي تعرف العنف بشكل مرتفع خاصة فيما يتعلق بالأفارقة والأمريكيين واللاتينيين. حيث اعتبروا العنف بمثابة مرض ويمكن علاجه وقاموا بإنجاز البرنامج في قلب المستشفى الجامعي حيث قاموا بمجموعة من دراسات و أخذوا أشخاصا كانوا معتقلين بالسجن: عنيفون ومتطرفون، استطاعوا معهم أن يعالجوا العنف الذي يحملونه و ينتقلون معهم بالتالي لدى الأشخاص الذين تبرز لديهم كثيرا معالم العنف والتطرف. من أجل العمل معهم ونصحهم وتوجيههم.. 

نحن قمنا بنفس القضية أخدنا بعض السجناء القدامى في الحق العام وخصصنا لهم تكوين لمدة شهرين ونصف من أجل مساعدتهم وتمكينهم من خلق مقاولاتهم الخاصة، وقمنا كذلك بتكوين سجناء القضايا الإرهابية، فمنهم من كان محكوم عليهم بالمؤبد وآخرين  كانت عقوباتهم تتراوح بين عشرة إلى ثلاثين سنة، تم تكوينهم بهدف التمكن من العمل مع الساكنة التي تحمل أعراض العنف أو الذين كانوا بالسجون ويمكنهم أن يتطرفوا في أي وقت، لأننا نعرف أن هناك عدد من الإرهابيين لم يكونوا أئمة ولا فقهاء، ولكن من كانوا مجرمين أو مدمنين هم من أصبحوا متطرفين، فقد يدخل الشخص للسجن بسبب جنحة ويخرج بشكل آخر. لذلك قمنا معهم بهذا التكوين وهم يتوجهون للعناصر التي يعتبرونها عنيفة في المنطقة و المدمنين ويقومون معهم بحصص توجيهية و تحسيسية من أجل تجنيبهم التطرف. 

أضيف أن المشكل الكبير اليوم، من ناحية الشباب الذي يتوجه للتطرف هو المخدرات، نعم الفراغ والتهميش والإقصاء لهم دور كبير، ولكن هناك دور آخر تلعبه المخدرات التي تجعل الشباب يغادر أسوار المدارس ولا يجدون عمل وتدفعهم للسرقة وبعد ذلك يتم استقطابهم بسرعة من طرف الجماعات المتطرفة والإرهابيين.

س: كيف استطاعت مختلف الأنشطة التي تنظمونها وتشتغلون عليها من محاربة التطرف؟                   

ج: أولا يمكن اعتبار أن الدعم المدرسي والتربوي وتلقين اللغات الحية الأجنبية التي تفتح الآفاق للشباب، من أجل التعرف على ثقافات أخرى وحضارات أخرى وقيم أخرى، حيث تتغير رؤية الشباب ويصبح بالنسبة إليه الأجنبي هو ذلك الصديق ولا يبقى بمثابة أجنبي (غريب) عليه، فيتم تكسير الجدار الذي يمنع من معرفة الآخر، فمن خلال الأنشطة الموازية التي نقوم بها، والتي تملأ فراغا قاتلا، هذا الأخير الذي يعتبر خطير، ومن خلالها يكتسبون الثقة في النفس عن طريق المهارات الحياتية التي تجعلهم يتعرفون على دواتهم ويكتشفون أن لهم الكثير ليقدموه ولا تبقى تلك الصورة التي  يعتبر فيها الشاب نفسه ذلك الإنسان المهمش الفقير الذي لا يملك أي شيء ولا يهتم به أحد، بحيث تعطى له القيمة الإنسانية، ويكتشف المواهب التي لا يعرفها بنفسه ويتم صقلها وتصبح له أهداف في الحياة، فحتى إن لم يتمم دراسته فقد يصبح رياضي أو موسيقي أو مغني وكل هذا موازاة مع ما نراه اليوم، حيث لا يمكن أن نعتمد فقط على الدراسة وحدها أو الفن وحده، فلا بد أن يكون الإنسان مُتكامل، ولهذا فنحن نحاول توفير كل متطلبات الشباب،  فمنهم من يأتي للمركب لأول مرة بهدف لعب كرة القدم وليس له غرض بالدراسة فنقول له تفضل للدراسة لكي يرحب بك من أجل لعب الكرة.

بالنسبة لقضية التعنيف فعندما يقوم الإنسان بالموسيقى ألا يحس بالهدوء وعندما يمارس الفن، بصفة عامة، أو تقدم له ورقة مثلا لكي يرسم ويستخرج ما لديه في الرسم وكيف يتجول في خياله، أو عندما يتعامل مع القصائد الشعرية ويؤديها، فكل هذه الأجواء تساهم في تهدئة الإنسان في ذاته و تهذب كذلك أخلاقه ومعاملاته وسلوكه. 

نعمل كما تعلمون بشعارنا الذي هو « كن قدوة بالفعل »، حيث نأخذ الشباب الذي تكونوا وتعلموا هنا لكي يعلمون الذين هم أصغر منهم سنا، فالبنت التي تبلغ من العمر 14 سنة تعلم الأطفال الذين يتراوح أعمارهم بين سبع وتسع سنوات، وهكذا… 

لدينا تدرج هائل بحيث لا يكون هناك فارق في السن، بحيث يعتبر الشاب الذي يدرس قدوة وهو ليس بشخص غريب بل من وسط نفس الحي، درس تعلم نجح وله مستقبل زاهر وحياة أفضل، ويعتبر الشاب الذي  من نفس المنطقة أنه كذلك يمكن أن يفعلها. 

س: كيف يمكن تعميم هذه الفكرة بالنسبة لجميع أحياء الدار البيضاء ولما لا باقي مدن المملكة؟ 

ج: ماذا سأقول لك، أنا شخص مليء بالأحلام أبيت الليل كاملا أحلم وأخطط بأني سأفعل وأفعل، وبطبيعة الحال هناك أشياء حلمت بها في 1990 حققتها سنة 2005، أي بعد 15 سنة، لا يهمني الوقت لكن المهم هو أن أحقق هذه الأحلام، فمشروع الإذاعة وضع سنة 2004  وتم إنجازه في 2019، فالحُلم الكبير الذي لدي هو أن يكون كل حي له مركز ثقافي، للحيلولة دون الذهاب إلى السرقة أو الذهاب للملاعب للتخريب، السؤال هو ماذا قدم لهم لكي لا يتّجهوا لذلك المسار، فالأطفال الذين يأتون للمركز في شهر غشت، حيث الشواطئ ممتلئة وأنا لدي هنا في المركب أكثر من 500 تلميذ لم يتوجهو للشاطئ، ليس لأنهم لا يريدون السباحة بل لأنهم وجدوا البديل، وقدموا إلى هنا حيث يجدون أنفسهم يدرسون الفرنسية ويتم تنظيم الألعاب الأولمبية ولا يفترقون بعد مرور شهر ونصف إلا على صدى البكاء. 

إذا كان المركز هكذا ولو تحت عمارة أو في مكان صغير سيستفيد  منه،  حتى أهل العمارة نظرا للصراعات التى تكون دائما، لماذا لا يجتمعون هناك ويقومون بأنشطة كما فعل الساكنة في الحي عندما أتوا لدينا من أجل الاستفادة من خبرتنا لتنظيم نشاط بحيّهم، والذي سنشارك معهم فيه، فالناس ترغب في فعل عدة أشياء لكن أين هي الامكانيات والمساعدات والتكوينات التي يجب أن تقدم لهم، وليس فقط أن تأتي وتجهز لهم، فالسانديك بالعمارة سيجد مجال للعمل و الأطفال يتوفرون على مكان للدعم المدرسي لان كما تعلمون المغرب كله حاليا يقوم بعمل الدعم المدرسي، حيث أصبحت هذه الدروس تقوم مقام المدارس، فهنا يمكن استغلال تلك الأماكن من أجل الساعات الإضافية أو المسرح أو الغناء أو الرقص أو الموسيقى… يمكن فعل أي شيء يمكن مع بقاء أطفالك على مقربة وفي عمارتك،وإما أن تسجنه بالمنزل أو تتركه للشارع، فليس لك خيار ونحن نعلم أن المدرسة والعائلة تخلوا عن أدوارهم وأصبح الشارع هو الذي يلعب دوره كما ينبغي.

Close
Close